من يدير ذاتك “العقل- العاطفة- الإرادة” | صوت مصر نيوز

الأربعاء 17-02-2021 15:22

بقلم الدكتور مصطفي محمود




نتسائل جميعا عن من يدير النفس البشرية، واختلف الكثيرون ما بين القلب وبين العقل، ونسبوا طريقة التفكير للبعض علي أنهم أشخاص عاطفيين إذا صاروا خلف عواطفهم وانساقوا وراء اهوائهم ومشاعرهم وأحاسيسهم، وأطلقوا علي البعض الآخر أنهم أشخاص عقلانيين إذا صاروا خلف تفكيرهم وأهتدوا بعقولهم وحساباتهم المنطقية.
غير أننا يجب أن نتسائل ومن ذا الذي يتحكم في العقل ويوجه بوصلته، ومن ذا الذي يسير المشاعر ويخلق الأحاسيس وينميها ويعمقها، من المؤكد أن هناك قوة أكبر من العقل تتحكم في الفكر وتسيره وتعمقه، وقدرة أعلي من الأحساس تتحكم فيه وتوجهه ولا اقصد هنا الغريزة أو الشهوة.




إن المتأمل في تصرفات الانسان وتفكيره ليدرك أن هناك شيء ما يؤثر عليه وعلي تفكيره وطموحه وعناده واستمتاعه وحبه وكرهه وعصبيته وبروده وهدوئه، شيء أكبر من العقل وأدق من المشاعر والأحاسيس، هذا الشيء الغريب المحير والدقيق والمؤثر والمختلف هو الإرادة، فنحن جميعا إلي حد كبير متشابهون في الجسم والعقل وحتي معايير الذكاء قريبة من بعضها، ولكن الاختلاف هو الإرادة فإرادة انسان ما تجعله ذا طموح وصاحب أحلام يصر عليها ويسعي لتحقيقها ويستمتع بالتصميم وبالمثابرة وتعبه شيق ومواصلته للمشوار متعه واحساسه بالسعي لذه، وهناك من هو أعلي في مستوي الذكاء وعاطفته أسمي وأعلي ولكن ليس لديه إرادة ولا عزم فتجده بلا همة ولا مثابرة ولا حلم، متعته هوي وسعيه سدي وإنجازه فراغ ورضائه تافه، هذا هو الفرق بين صاحب الإرادة ومفتقدها، فقد نجد مستوي ذكاء أقل وبإرادته يحقق نجاحات أكبر من صاحب ذكاء عالي ولا يملك الإرادة.
والعزم هو الإرادة المؤكدة لذلك يقول الله علي من لم يحسن العمل ( ولم نجد له عزما)، فكل انسان يصبو ويطمح ويتمني ولكن من يدرك أحلامه ويحقق طموحاته، يتوقف جل ذلك علي العزم والإرادة، فإذا عزمت فتوكل أي إذا صدقت إرادتك فأسعي وتوكل ونفذ، وعندما مدح الله الرسل قال وأصبر كما صبر أولوا العزم، فالعزيمة والإرادة سر النجاح وسر الوصول. وقد صدق المتنبي حين قال
علي قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي علي قدر الكرام المكارم ويعظم في عين الصغير صغارها ويصغر في عين العظيم العظائم، وصدق الشاعر حين قال ومن رام العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال.
وكما امتدح الله الرسل في صبر أولو العزم، فقد أخرج الله سيدنا أدم من الجنه بسبب ضعف عزمه حيث قد أخبرنا جل وعلا في قصة سيدنا آدم أنه أدخله الجنة وأذن له في التمتع بما فيها من النعيم إلا شجرة واحدة نهاه عن الأكل منها، فوسوس له إبليس وخادعه حتى أضعف إرادته، وحل من عزيمته، فأكل منها، فكان جزاؤه أن أُخْرِجَ من الجنه، وأُهْبِطَ إلى دار الشقاء الأرض، وفي ذلك يقول ربنا – عز وجل -: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ .
ومن الإرادة ما هو محمود وما هو مذموم، والمحمود منها هو السعي للإعمار والبناء وفيما أحله الله، وعلي من أتاه الله قوة الإرادة والعزم أن يحمد الله ويثني عليه لأنها منة من الله وليعتمد علي الله ويتوكل عليه كما قال رب العزة ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾، والإرادة المذمومة هي الإرادة في الشر وكره الخير والحقد والحسد والعناد والخصومة.
إن للإرادة لسحر ومن أوتي العزيمة في الحق والبناء فقد فاز، وما يضيع الإرادة أكثر من التردد فكما قال الشاعر إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا.
العزيمة والإرادة هي المسيطرة فوق الفكر وفوق العاطفة لأنها هي بوصلة التصرف وهي دفة المركب فإذا كانت العزيمة محمودة وصادقة وجهت فكر وعاطفة الانسان للتصرف السليم، وإذا كان تفكير الانسان ذكي وعقلاني ولكن بلا إرادة فلا فائدة في ذكاء لا يستخدم ولا في فكر بلا هدف، وإذا كانت المشاعر صادقة ولكن يعتريها التردد والخوف فلا يقين فيها ولا بقاء، اذن المتصرف والمتحكم والمحدد لفكر الانسان هو صدق الإرادة وقوة العزيمة.

 

اضف تعليق