أحمد عماد يكتب .. “أقنعة وجذور” | صوت مصر نيوز

الجمعة 21-08-2020 17:48

بقلم : أحمد عماد




للإرهاب باسم «الدين» جذور موغلة فى القدم. يسهل تتبُّعها، كما أنه من السهل تقصِّى منابع الأمس القريب ومقدمات الإرهاب اليوم ،وحينما يتعلق الأمر بالعقائد الدينية والسياسية، فغالبًا ما يؤدى التطرف والتشدد إلى ممارسة القهر والعنف بكل صوره، ومن بينها الإرهاب المسلح. واغتيال «الخصوم» يتم باسم «صحيح العقيدة»، بغض النظر عن تعددية التأويلات أو خطأ التأويل أو صوابه. أما بالنسبة لمجتمعنا المصرى، فدراسة تاريخه المعاصر تبين لنا بوضوح أن كل ما سُفك من دماء أبناء الوطن غيلة وعمدًا مع سبق الإصرار والترصد كان على أيدى المتطرفين دينيًا، أو- على سبيل الدقة- المتطرفين «إسلاميًا»، كما أن هناك دماء سُفكت باسم «الوطنية»، ولكن واقع الأمر أن مَن سفكها كان ذا «مرجعية دينية»، وإن تقنّعت برداء المغالاة «الوطنية». ولا نعلم أن هناك مصريًا متطرفًا سياسيًا، سواء أكان يساريًا شيوعيًا أو يمينيًا، سفك الدماء.




كل الشباب الذين تلوثت أيديهم بالدماء كان من ورائهم شيوخ مُحرِّضون تلوثت عقولهم بالدماء، تستَّروا فى دهاء وتقية برداء يُدعى «الوسطية» و«الاعتدال»، فى ذات الوقت الذى يبثون فيه الرسائل والأطر النظرية، التى تمهد الأرض للفرقة وتوفر المبررات للتسلط والقهر والقتل، وكما أن هناك من شيوخ التطرف مَن لا يجد ضرورة فى إخفاء تطرفه، فالتطرف مطلوب- من وجهة نظرهم- فلا توجد وسطية فيما يتعلق بـ«صحيح العقيدة»، وتتعدد صور وأدوار التطرف والمتطرفين بين إخفاء وإعلان، والهدف واحد.. الدولة الدينية.

أين العدل والاعتدال حينما تضع بنفسك أو تُقر قانونًا، لم أشارك معك فى وضعه أو إقراره، وتطلب منى الالتزام به بحجة أن لى ما لك وعلىَّ ما عليك؟

فى عام ١٩٩٤ صدر كتاب «ثقافة النظام العشوائى.. تكفير العقل وعقل التكفير»- عن كتاب الأهالى- للباحث الناقد «غالى شكرى» (١٩٣٥- ١٩٩٨). فى هذا الكتاب وتحت عنوان: «مَن لا يخاف الشيخ الغزالى؟»، كتب «غالى» عن موقف الشيخ «محمد الغزالى» من اغتيال شهيد التنوير «فرج فودة»، حيث «أفتى»ـ أو «شهد»ـ الشيخ أمام محكمة القتَلة بما يُفهم منه ضمنًا أن ما فعله الجناة هو تطبيق لحد الردة. وبعد أن استعرض «غالى» لمحات من سيرة وفكر «الشيخ محمد الغزالى»- ذى التاريخ الإخوانى- والذى كان فى نظر الكثيرين ممثلًا للفكر الاعتدالى، يعلق «غالى»:

«ربما كان العنصر الوحيد الإيجابى فى هذه الحكاية (شهادة الغزالى)- التى لم تهدر دماء فرج فودة وحده، بل دماء الغالبية العظمى من المثقفين المصريين، بل إنها إشارة البدء لحرب أهلية- هى أن الفتوى أو الشهادة قد نزعت بصدمتها المُدوِّية للضمير العام قناع الاعتدال عن الوجه الحقيقى المسمى إعلاميًا (التطرف).. الإسلام السياسى لا اعتدال فيه ولا تطرف، وإنما نظام للحكم الشمولى تحت راية الدين، وهى الراية التى يقف تحتها الجميع، من حارس البوابة إلى أمير المؤمنين».

وتحت عنوان: «بين أقنعة الاعتدال ووجوه التطرف»، كتب «غالى» عن تلك الفترة: «.. كانت الدولة من جانبها حريصة على الهامش الديمقراطى الذى افتتح به مبارك عهده، وكانت بعض أجهزتها ولا تزال مقتنعة بإمكانية الحوار مع الإسلام السياسى، وبعضها الآخر يرى العلاج فى المزيد من الجرعات الدينية فى التعليم والإعلام، وبعضها الثالث لا يرى نفسه فى موقع نقيض لهذه التيارات، وبعضها الرابع يحسب حسابات المستقبل المجهول. هذه هى الفترة التى بدأت بقتل فضيلة الشيخ محمد حسين الذهبى، ولم تنته بتهديد فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوى، والمسافة بينهما امتلأت بظهور وبروز ولمعان أصحاب الفضيلة المشايخ محمد متولى الشعراوى ومحمد الغزالى ومحمد عمارة وعمر عبدالكافى إلى بقية الصف المتهم ظلمًا بالاعتدال». ويواصل «غالى»:

«وبينما كان المطلوب دائمًا من بعض المشايخ كالشعراوى والغزالى وغيرهما أن يصدروا بيانًا بإدانة العنف وتبرئة الإسلام من أوزاره، كان المفعول دائمًا من هؤلاء المشايخ أنفسهم عكس ذلك تمامًا فى برامج الإعلام والمساجد على السواء. كان الشيخ الشعراوى يستطيع الظهور فى إعلانات الصحف مُبارِكًا شركات توظيف الأموال، وكان يستطيع فى التليفزيون أن يغمز ويلمز من عقائد الآخرين، وكان يستطيع أن يجهر بأنه عام ١٩٦٧ فى الجزائر سجد لله ركعتين شكرًا على الهزيمة، وكان الشيخ عبدالحليم محمود يستطيع أن يؤلف كتابًا كاملًا فى تشريح المسيحية وتفنيدها، وكان الشيخ الغزالى يستطيع أن يفتى بانتفاء الضرورة لبناء الكنائس وضرورة الضرورة لقتل فرج فودة، وكان الشيخ محمد عمارة (يسامح) طه حسين على كتابه (فى الشعر الجاهلى)، ويهدر دم لويس عوض على آرائه فى جمال الدين الأفغانى، وكان الشيخ عمر عبدالكافى يدعو إلى عدم مصافحة المسيحيين، وكان الشيخ عبدالصبور شاهين والشيخ مصطفى محمود وغيرهما يدعوان إلى تكفير نصر حامد أبوزيد. هذا هو الواقع الفعلى للمعتدلين، الذين يرون (هذه نقرة وتلك نقرة)، فلا مانع من إدانة العنف وأحيانًا العنف المضاد، (أى الحكومة)، وربما يتهور بعضهم ويدين الإرهاب باعتباره على الأغلب من صادرات أمريكا وإسرائيل، ولكنهم فى معظم الأحيان يصفون الإرهابيين بالشباب المؤمن المتحمس، والتطرف بالغلو فى الإيمان والتدين.. أما الخطأ فهو خطأ الإعلام والتعليم الذى يفرط فى تعاليم الدين. ودائمًا هو خطأ الدولة التى لم تطبق بعد كل قوانين الشريعة.

هذا هو (الاعتدال) الذى أشاع فى المجتمع بأسره مناخًا متواطئًا مع الإرهاب مغذيًا له بكل بذور الفتنة الكبرى وليس الفتنة الطائفية وحدها، وهو المناخ الذى يفرز كوادر الإرهاب ويحميها».

اضف تعليق