أحمد عماد يكتب .. “المربع صفر ” | صوت مصر نيوز

الأربعاء 05-08-2020 18:42

بقلم أحمد عماد




لديك ثلاثة أبناء، تحلم بأن يلتحقوا بكليات السياسة والاقتصاد والطب والهندسة. أحدهم يلتحق بالسياسة والاقتصاد والآخر يلتحق بالهندسة ويرفض الثالث ويراوغ ولا يلتحق بالطب المأمول. هل ترميه برة البيت؟ هل تتبرأ منه؟ هل تعتبره والعدم سواء؟ هل تبلغ السلطان بأنه ابن عاقّ، آملًا أن يتم إلقاؤه فى السجن ليكون عبرة لغيره من الأبناء والبنات ممن يرفضون ويراوغون ولا يلتحقون بكليات السياسة والطب والهندسة؟ أم تعتبره ابنًا كغيره من الأبناء، بل وربما يكون مستقبله أكثر إشراقًا من ابنيك الآخرين؟ أخشى ما أخشاه أن تكون أعداد كبيرة من الشباب المصرى فى طريقهم إلى المربع صفر الذى كان موجودًا قبل أحداث يناير 2011، وما أقصده تحديدًا هو انطواؤهم بعيدًا عن المجتمع كبير السن.

البعض يقول إن المجتمع كبير السن اكتفى باحتضان ابنيه اللذين التحقا بكليتى السياسة والاقتصاد والهندسة، وترك الابن الثالث «وقلبه وربه غضبانين عليه». أعلم تمامًا أنه لا القلب غضبان، وبالطبع ولا الرب لأنه غفور رحيم بالضرورة، ولأن «الضفر مايطلعش من اللحم». المجتمع يموج هذه الآونة بالكثير من القضايا التى تبدو فى ظاهرها حوادث وأحداثًا، لكنها فى حقيقة الأمر عمليات جراحية عاتية وتشريحية لقائمة طويلة من الأمراض والعلل التى ضربتنا.




هذه العلل والأمراض نتعامل معها بأسلوبين متناقضين: فريق مِنّا يعتبرها أفضل ما جرى فى مصر، التى دخلت الإسلام «الجديد» فى أواخر سبعينيات القرن الماضى، وفريق آخر (أصغر حجمًا) يعتبرها أبشع ما جرى فى مصر لأنها حوّلتها من بلد ذى حضارة وعراقة وأصول ضاربة فى الأرض وقدرات تناطح السماء إلى مجتمع هَشّ جافّ منقاد لا هوية له ولا مستقبل اللهم إلا انتظار الموت من أجل الاستمتاع بمميزات الآخرة الموعودة، وأغلبها تم الترويج له منذ السبعينيات، وهو ذو طابع جنسى. وحيث إن الفريق الأول أكبر عددًا وأعتى أثرًا، فقد بات يحكم على الأمور بناء على منظوره الضيق عما ينبغى وما لا ينبغى.

لذا تجد المجتمع يصفق ويهلل لشخص مغمور أخذ على عاتقه نشر الفضيلة عن طريق حمل «مازورة» لقياس طول فساتين النساء وإخضاعهن لاختبارات الفضيلة المظهرية، وإبلاغ الجهات المختصة فى حال لم تعجبه نتائج القياس. واستمر المجتمع على تصفيقه وتهليله للشخص المغمور وجهوده فى نشر الفضيلة. وحين وجد المزيد من الترحيب من المجتمع، قرر أن يستنسخ مازورته ويوزعها بالمجان على كل مَن هَبَّ ودَبَّ.




وبينما المجتمع غارق فى التهليل لصاحب المازورة، إذ بجانب كبير من المجتمع صغير السن يغرد فى منطقة أخرى تمامًا. هذا الجانب لا يطابق مقاييس الأيزو المجتمعية، كما أنه قرر عدم الالتحاق بـ«الكلية» التى قررها له، فاعتبره المجتمع ابنًا عاقًّا ينبغى عقابه حينًا وتجاهله أحيانًا. أتمنى أن نلتفت إلى الشباب فى مصر- كل الشباب- نسمع منهم أكثر ما نسمع عنهم أو نراقبهم لنصدر أحكامنا عليهم من خلف الشاشات.

اضف تعليق