مَنْ يملك حق التحليل والتحريم؟ 

السبت 30-09-2017 12:43

كتب – محمد سعيد

التحريم يتبع الخبث والضرر
لقد أصبح معروفًا في الإسلام أنَّ التحريم يتبع الخبث والضرر، فما كان خالص الضرر فهو حرام، وما كان خالص النفع فهو حلال، وما كان ضرره أكبر من نفعه فهو حرام، وما كان نفعه أكبر فهو حلال، وهذا ما صرح به القرآن الكريم في شأن الخمر والميسر (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ

قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِ

عُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا )[البقرة : 219] فالتحريم يتبع الخبث والضرر دومًا (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا

ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف : 33] كما أصبح من الأجوبة الصريحة -إذا سئل المسلم عن الحلال في الإسلام قال : إنه (الطيبات) أي: الأشياء التي تستطيبها النفوس المعتدلة،

ويستحسنها الناس في مجموعهم استحسانًا غير ناشئ مِن أثر العادة، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة : 4]وقال سُبْحَانَهُ : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) [المائدة : 5]و قال تعالى(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف : 157]

فما هي الْخَبَائِثَ؟و ما هو الخبيث ؟
الفعل ( خبث ) خبثا وخباثة وخباثية صار فاسدًا رديئًا مكروهًا وفلان صار ذا خبث فهو خبيث ( ج ) خبثاء وخبث وخبثة وأخباث ( جج ) الأخير

أخابيث وهي خبيثة ( ج ) خبائث وفي التنزيل العزيز(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف : 157] (

والْخَبَائِثَ: أفعال مذمومة ومحرَّمة، وكلّ ما يُستقبح من الأشياء والأفعال.
والخبيث: هُوَ الْمُسْتَقْذَرُ الذى تأباه النفس ويرفضه الطبع “نَجِسًا كَانَ أو غَيْرَ نَجِسٍ، وَالطَيِّبَاتُ ضِدُّهَا.

والخبيث يعرف بأمور :
1- أن ينص الشارع على خبثه كالحمر الأهلية .
2- أو ينص على حده ، ككل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير .
3- أو يكون خبثه معروفًا مثل الدم والفأرة والحية والحشرات قال تعالى(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف : 157]
4- أو يكون الشارع أمر بقتله ، أو يكون نهى عن قتله ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ” خَمْسٌ فَوَاسِقُ ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ : الْحَيَّةُ ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ ، وَالْفَأْرَةُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ، وَالْحُدَيَّا ” وفي رواية : ” الْفَأْرَةُ ، وَالْعَقْرَبُ ، وَالْغُرَابُ ، وَالْحُدَيَّا ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ”

ومعنى الأبقع : أي الذي في ظهره أو بطنه بياض والعقور : المفترس والحدأة : هي أخس الطيور تخطف أطعمة الناس من أيديهم .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍرضي الله عنه قَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ” نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ : النَّمْلَةُ ، وَالنَّحْلَةُ ، وَالْهُدْهُدُ ، وَالصُّرَدُ ”
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، عَنْ قَتْلِ الصُّرَدِ ، وَالضِّفْدَعِ ، وَالنَّمْلَةِ ، وَالْهُدْهُدِ ”
الصرد : طائر ضخم الرأس أبيض البطن أخضر الظهر يصطاد صغار الطير ”
5- أو يكون معروفًا بأكل الجيف ، كالرخم والنسر ونحوهما .
6- أو يكون متولدًا بين حلال وحرام ، فَيُغَلَّبُ جانب التحريم كالبغل
7- أو يكون خبثه عارضًا ، كالجلالة التي تتغذى بالنجاسة والمائعات المتنجسة .
8- أو يكون محرمًا لضرره البدني ، أي يضر بالبدن كالسموم .المستخرجة من العقارب والنحل والحيات السامة وما يستخرج مِن النبات السام والجماد كالزرنيخ، لقول الله تعالى:( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )[النساء : 29]
وكذا يحرم الطين والتراب والحجر والفحم بالنسبة لمن يضره تناولها لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم،: ” لا ضر ولا ضرار ” رواه أحمد وابن ماجه.
ويدخل في هذا الباب ” الدخان ” فإنه ضار بالصحة وفيه تبذير وضياع للمال، والمسكر مثل الخمر وغيرها من المخدرات.
وما تعلق به حق الغير مثل المسروق والمغصوب فإنه لا يحل شَيْء من ذلك كله.

9- أو يكون محرمًا لضرره العقلي ، كالخمر والمخدرات .
10- أو يذكى تذكية غير شرعية ، وينقسم إلى أقسام :
إما لآلته : كمن ذُبح بالسن أو الظفر ، للنهي الوارد عن ذلك .
وإما لمذكيه : كأن يتولى ذبح البهيمة كافر مشرك أو ملحد ، أو غير كتابي ، أما اليهود والنصارى فتحل ذبائحهم بنص الشرع .
وإما لقصد التذكية : كمن ذُبح على النصب ، أو ذبح لغير الله ، أو لم يذكر اسم على الذبيحة .وما لم يوجد فيه سبب الخبث فهو حلال ، على القاعدة السابقة ، إذ الأصل في الطعام والشراب الحل ، ما لم يرد نص بالتحريم ، قال تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }[البقرة : 29] ، وقال تعالى : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك : 15] ، وقال تعالى : {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } [الأنعام : 119]
5- العلم التفصيلي بالخبث غير لازم

ليس مِن اللازم أنْ يكون المسلم على علم تفصيلي بالخبث أو الضرر الذي حرم الله مِن أجله شيئًا من الأشياء، فقد يخفى عليه ما يظهر لغيره، وقد لا ينكشف خبث الشيء في عصره، ويتجلى في عصر لاحق، وعلى المؤمن أنْ يقول دائمًا: (سمعنا وأطعنا).ألا ترى أنَّ الله حرم

لحم الخنزير، فلم يفهم المسلم مِن علة لتحريمه غير أنَّه مستقذر، ثم تقدم الزمن فكشف العلم فيه من الديدان والجراثيم القتالة ما فيه؟ ولو لم يكشف العلم شيئًا في الخنزير أو كشف ما هو أكثر مِن ذلك فإنَّ المسلم سيظل على عقيدته بأنَّه (رجس).
وهكذا كلما نفذت أشعة العلم، واتسع نطاق الكشف تجلت لنا مزايا الإسلام في حلاله وحرامه، وفي تشريعاته كلها. وكيف لا وهو تشريع عليم حكيم رحيم بعباده { وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)} [سورة البقرة: 220]

اضف تعليق